16 يناير 2023: ارتفع مؤشر بلومبيرج للسلع الرئيسية خلال الأسبوع بنسبة 2.4% ليعوض جزءاً من الخسائر التي تكبدها في وقت مبكر من شهر يناير، وذلك بعد الارتفاع المستمر في أسعار قطاع الطاقة، باستثناء الغاز الطبيعي، وقطاع المعادن بقيادة الذهب والنحاس. ويتأثر قطاع السلع بشكل رئيسي باحتمالية رفع قيود الإغلاق في الصين، ما يساهم بتعزيز التوقعات بارتفاع الطلب على السلع من قبل أكبر مستهلك للمواد الخام في العالم. وبدوره، يساهم الانخفاض الكبير والمستمر في قيمة الدولار الأمريكي في دعم توجهات الإقبال على المخاطر مع استمرار تراجع مستوى التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية، الذي يساهم في انخفاض متزايد لمسار أسعار الفائدة الخاصة بالاحتياطي الفدرالي.
سلطت المكاسب الكبيرة التي حققها الذهب والنحاس على وجه الخصوص خلال الأسابيع القليلة الماضية الضوء على الاتجاه الصحيح خلال هذا العام. وعلى الرغم من صحة هذه التوجهات، ما زال الوقت مبكراً لاتخاذ القرار، الأمر الذي يزيد من خطر التصحيح قبل تسجيل ارتفاع آخر مجدداً. وتشير المعطيات إلى أنه من غير المحتمل أن تشهد الحركة في الصين تحسناً ملحوظاً قبل بداية العام القمري الجديد هذا الشهر، حيث من الممكن أن تساهم التوقعات باستقرار الحركة الاقتصادية في كبح جماح الارتفاع الحالي بالأسعار قبل حشد الزخم والعودة لتسجيل الأرباح في نهاية الربع الحالي.
ويحافظ الدولار الأمريكي على دوره كمحرك رئيسي للأسعار على المدى القصير، وعلى الرغم من المكاسب التي حققها اليوان الصيني والدولار الأسترالي نتيجة رفع قيود الإغلاق في الصين، استطاع الين الياباني تسجيل أرباح كبيرة مع اقتراب موعد اجتماع البنك المركزي الياباني في 18 يناير، والذي سيفرض بظلاله على المشهد.
وتشير الأخبار الأخيرة إلى نية البنك المركزي الياباني إجراء المزيد من التعديلات على سياساته المتعلقة بسقف العوائد في الوقت الذي تستمر فيه السندات اليابانية التي تستحق بعد 10 سنوات في التداول بحد أعلى بنسبة 0.50% من نطاق التداول المسموح به. ويتيح توسيع النطاق تقليص الهوامش بين العوائد اليابانية المرتفعة والعوائد الأمريكية المنخفضة بنسبة أكبر، وبالتالي دعم المزيد من الارتفاع في قيمة الين الياباني والانخفاض في قيمة الدولار الأمريكي الداعم للسلع.
وساهم انخفاض أسعار السلع في الأشهر الأخيرة جزئياً في وصول معدلات التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية إلى ذروتها، ويبقى السؤال الأبرز خلال عام 2023 حول إمكانية عودة هذه المعدلات إلى نسبة 2.5%، وهو المستوى الذي يتم التسعير وفقه بصفته الهدف متوسط وطويل الأمد.
وتتواصل التأثيرات السلبية للغزو الروسي لأوكرانيا ومحاولات العالم الغربي التصدي لها على سلاسل التوريد العالمية للسلع الرئيسية؛ بدءاً من النفط الخام والوقود والغاز، وصولاً إلى المعادن الصناعية والمحاصيل الرئيسية. ومن المرجح أن يساهم فرض الحظر الأوروبي على منتجات الوقود الروسية اعتباراً من الشهر المقبل في المزيد من الاضطرابات مقارنةً بالحظر النفطي الذي تم تطبيقه الشهر الماضي، حيث يتعين على أوروبا البحث عن مصادر أخرى للديزل والبنزين، في حين قد تعاني روسيا لإيجاد أسواق جديدة لتصدير منتجاتها. وتبقى احتمالية ارتفاع أسعار النفط في وقت لاحق من العام قائمةً مع تسجيل أوروبا للمزيد من مؤشرات تجنّب الركود والتوقعات بارتفاع الطلب الصيني على منتجات الوقود.
النحاس أكبر المتأثرين إيجاباً بتوقعات رفع قيود الإغلاق في الصين
حققت المعادن الصناعية بقيادة النحاس مكاسب كبيرة مع بداية عام 2023 مدفوعةً بتوقعات زيادة محتملة في الطلب من الصين التي تعتبر أكبر مستهلك في العالم. كما ساهمت إجراءات إعادة فتح الاقتصاد الصيني وسياسات الدعم المتزايدة بهدف دفع عجلة الاقتصاد وتجاوز الأثار السلبية لسياسات الرئيس شي والتراجع المفاجئ عن سياسات صفر كوفيد التي تبنتها الحكومة الصينية في وقت سابق في دعم هذا الارتفاع. وتخلل هذه الأجواء الإيجابية تراجع قيمة الدولار الأمريكي مع توقعات بتخفيض الاحتياطي الفدرالي لوتيرة رفع أسعار الفائدة في المستقبل في ظل استقرار توقعات التضخم.
وشهد صندوق فان إيك المؤهل وفقاً لتعهدات الاستثمار الجماعي والمتداول في البورصة الذي يضم في محفظته شركات ضخمة مثل بي إتش بي وريو تينتو وجلينكور وفالي وفريبورت ماكموران، تداولاً بنسبة 10.5% حتى الآن خلال هذا الشهر، وهو أعلى مستوى له خلال تسعة أشهر. ويشكّل النحاس حوالي 40% من عائدات جلينكور، و26.7% من عائدات بي إتش بي، و11% من عائدات ريو. كما حددت العقود الآجلة للحديد الخام في سنغافورة سعر التداول بـ 125 دولار أمريكي للطن للمرة الأولى خلال ستة أشهر، وذلك استعداداً لارتفاع موسمي كبير في الطلب بعد عطلة رأس السنة القمرية.
وجاء الارتفاع الأولي الكبير في قطاع النحاس مدفوعاً بشكل أساسي بتوقعات التجار الفنيين والمضاربين بأن يساهم الطلب من الصين في دعم الأسعار خلال الأشهر المقبلة، ويتوجب بعد ذلك العمل بجد للحفاظ على هذه المكاسب من خلال تسجيل زيادة أساسية في الطلب. وقد تشهد هذه المرحلة تحقيق المزيد من الأرباح، ما يفتح الباب أمام مشاركة المشترين المحتملين.
ويتم تداول النحاس، الذي شهد ارتفاعاً بنسبة 10% خلال هذا الشهر، بالقرب من أعلى مستوياته خلال سبعة أشهر، وذلك بعدما تجاوز في آخر ارتفاع له المتوسط المتحرك لـ 200 يوم ليبلغ مستوى 3.8350 دولار أمريكي للرطل. ومنذ ذلك الوقت، استطاعت عقود الشراء التقني للنحاس عالي الجودة تجاوز عدة مستويات مقاومة، كان آخرها 4.0850 دولار أمريكي للرطل مع تصحيح بنسبة 50% لعمليات التصفية التي تمت خلال عام 2022. وتشير التوقعات إلى ضرورة استقرار القطاع لفترة عند مستوى أقل يبلغ 4 دولارات أمريكية للرطل قبل أن يشهد ارتفاعاً جديداً يصل فيه معدل 4.31 دولار أمريكي للرطل.
الذهب يواصل حصد المكاسب
سجل الذهب مكاسب سريعة في مطلع عام 2023 مستفيداً من الزخم الإيجابي في ديسمبر الماضي، الأمر الذي يؤكد نظرتنا بأن العام الجديد سيكون أكثر إيجابية بالنسبة للمعادن الاستثمارية مع تراجع العوامل السلبية التي أثرت على القطاع خلال العام الماضي بما فيها قيمة الدولار والعوائد المرتفعة.
ونلاحظ استمرار الطلب القوي على الذهب من المصارف المركزية، ما يساهم في إيجاد بيئة داعمة للتجار في السوق. وأعلن مجلس الذهب العالمي عن شراء القطاع الرسمي 673 طناً من الذهب خلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام الماضي، وهو أعلى رقم تم تسجيله خلال عام واحد منذ عام 1967. يُضاف إلى ذلك 62 طناً تم شراؤها في نوفمبر وديسمبر من البنك المركزي الصيني. ويعزى جزء من هذا الطلب إلى محاولة عدد من المصارف المركزية الحد من انكشافها أمام الدولار. وتساهم سياسات تقليل الاعتماد على الدولار وتزايد الإقبال على الذهب في تعزيز احتمالات شراء الذهب من طرف القطاع الرسمي.
كما نتوقع أن تساهم البيئة الاستثمارية الملائمة للذهب في تسجيل زيادة متوقعة لا تقل عن 200 طن في حيازات الصناديق المتداولة في البورصة للذهب على عكس العام الماضي الذي شهد تراجع الحيازات بمقدار 120 طن. ولم نشهد حتى الآن عودة الطلب من قبل صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة – التي يلجأ إليها أغلب المستثمرين الذي يهتمون بالأرباح طويلة الأمد – على الرغم من الأرباح الكبيرة منذ نوفمبر، حيث يبقى إجمالي الحيازات حول أدنى معدل له خلال عامين والبالغ 2923 طن. وتشير المعطيات إلى عمليات الشراء التقني بوصفها العامل الرئيسي في القطاع حالياً، مع الطلب المستمر من صناديق التحوّط التي تحولت في مطلع نوفمبر نحو الشراء مع تحقيق الذهب أدنى مستوى له في ثلاث مرات، وهو ما أعطى مؤشراً على تغير الاستراتيجية القائمة في ذلك الوقت، والتي ركزت على بيع الذهب عند بروز أي إشارة على زيادة قوته.
ويبدو قطاع الذهب في حاجة مستمرة إلى تصحيح بعض التوجهات على المدى القصير، حيث تدعم المستويات المنخفضة للطلب المادي هذه المخاطر في حين يعتاد التجار على الأسعار المرتفعة، وعلى سبيل المثال أشار تقرير لوكالة رويترز أن الطلب انخفض في الهند بنسبة 79% منذ ديسمبر الماضي. ولم يشهد الذهب تداولاً دون المتوسط المتحرك لمدة 21 يوماً منذ بداية نوفمبر، وساهم الارتفاع الذي شهده خلال شهر يناير في توسيع هذه الفجوة، ولكن مع ظروف قوة الشراء التي يشير إليها مؤشر القوة النسبية فمن غير المستبعد أن نشهد تقليص الفجوة التي تقف الآن عند مستوى 1830 دولار أمريكي للسبيكة.
المصدر: ساكسو
النفط الخام يتعافى من خسائره في بداية العام
شهدت أسعار النفط الخام ارتفاعاً في الأسبوع الماضي وسط أجواء متفائلة بعودة الطلب القوي على النفط الخام ومنتجات الوقود من الصين بالتزامن مع تخليها عن سياسة صفر كوفيد، إلى جانب تلاشي مخاوف الركود في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وذلك على الرغم من تحذير صندوق النقد الدولي بأن ثلث الاقتصاد العالمي سيعاني من الركود خلال هذا العام. وشهدت المخزونات الأمريكية في وقت مبكر من هذا الأسبوع زيادة ضخمة بمقدار 19 مليون برميل – وهي الزيادة الأكبر منذ فبراير 2021- دون أن يسبب ذلك أي تأثير سلبي على الأسعار، حيث أشارت التوقعات إلى ضرورة ارتفاع مستويات التخزين بسبب البرد القارس الذي واجهته الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر ديسمبر، الأمر الذي تسبب في انخفاض الصادرات والإغلاق المؤقت لبعض مصافي النفط.
ولا تزال التوقعات تشير إلى دعم الأسعار الناشئة خلال العام بالتزامن مع استمرار الانكماش في الأرصدة والتأثير المنتظر لارتفاع الطلب من الصين والعقوبات على منتجات الوقود الروسية التي تدخل حيز التنفيذ في فبراير، في حين يُنتظر أن يتجاوز العرض الطلب هذا الربع الأمر الذي يساهم في الحفاظ على مكاسب أسعار محدودة. وساعدت مجموعة أوبك بلس من خلال إدارتها الفعالة لإمدادات النفط في توفير بيئة داعمة تسببت في تراجع البائعين المحتملين الذين يركزون على الركود عن الانخراط بقوة في التعاملات.
ونتوقع على المدى القصير مخاطر محدودة ناجمة عن تجاوز خام غرب تكساس الوسيط وخام برنت لنطاقات الأسعار المحددة حيث تتراوح قيمة خام برنت بين 75 و90 دولار أمريكي للبرميل. وعلى الرغم من ذلك، سيتجه التداول نحو العقود طويلة الأمد بمجرد حلول فصل الربيع في نصف الكرة الشمالية.
وانفرد قطاع السلع الخفيفة، بقيادة القهوة والقطن، بتسجيل تراجع التداولات خلال هذا الأسبوع، حيث سجلت العقود الآجلة لبُن أرابيكا انخفاضاً ملموساً بنسبة 11% مع بداية العام الجديد وصولاً إلى أدنى مستوى لها خلال 20 شهراً قبل أن تعود للتحسن بشكل طفيف. ويُعزى هذا التراجع إلى ارتفاع قيمة الريال البرازيلي ومخاوف الطلب المحتملة، إلى جانب زيادة العرض من البرازيل بعد الموسم المضطرب في عام 2022. وأثرت هذه التطورات على زيادة مخزونات البن التي تتم مراقبتها من قبل بورصة إنتركونتيننتال إكستشينج بأكثر من الضعف منذ أن سجلت في نوفمبر أدنى مستوى لها منذ عدة عقود.
وعاد القطن في هذه الأثناء إلى الحد الأدنى لنطاق الأسعار المحدد له بين 80 و90 سنتاً للرطل وذلك بعد أن زادت وزارة الزراعة الأمريكية المخزونات المحلية في إطار استجابتها لمستويات الإنتاج القوية وتراجع الصادرات. وذكرت الوكالة أن “كبار المستهلكين بما فيهم الصين والهند باكستان يواجهون تحديات مرتبطة بتراجع هامش الأرباح والطلب في قطاع الغزل التي أدت بدورها إلى عمليات شراء متحفظة لألياف القطن”.
وتأثر مؤشر بلومبيرج للحبوب بشكل طفيف خلال الأشهر الستة الماضية، لكنه تراجع خلال العام مدفوعاً بشكل رئيسي بانخفاض أسعار القمح نتيجة العرض الكبير من منطقة البحر الأسود، في حين ساهم تقرير وزارة الزراعة الأمريكية الشهري المتعلق بالعرض والطلب في انتعاش المؤشر قليلاً. ونوّه التقرير إلى ارتفاع أسعار الذرة وفول الصويا بعد أن خفّضت وزارة الزراعة الأمريكية توقعاتها للإنتاج المحلي الأمريكي والمخزونات المتاحة، في إشارة إلى احتمالية أن يساهم الجفاف المستمر من العام الماضي في دعم الأسعار خلال عام 2023. وانخفضت مستويات المخزون الموسمي في الولايات المتحدة الأمريكية خلال شهر ديسمبر إلى أدنى مستوى لها خلال 15 عاماً، في حين شهدت الذرة أدنى مستوى للمخزون الموسمي خلال تسعة أعوام وسجل فول الصويا أدنى مستوى للمخزون الموسمي خلال عامين.
وتسببت موجة الجفاف التي ضربت الأرجنتين، وهي الأسوأ منذ 60 عاماً، في تراجع توقعات إنتاج فول الصويا والذرة على الرغم من التوقعات بمحصول وفير في البرازيل. وبقي المشهد إيجابياً بالنسبة للقمح فقط، حيث رفعت وزارة الزراعة الأمريكية من توقعاتها للإنتاج العالمي عموماً والأمريكي خصوصاً، حيث يتوقع أن تكون حملة زراعة القمح الشتوي لهذا العام هي الأكبر منذ عام 2015.